فصل: فَوَائِدُ مَنْثُورَةٌ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.فَوَائِدُ مَنْثُورَةٌ:

قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَاسِخٌ إِلَّا وَالْمَنْسُوخُ قَبْلَهُ فِي التَّرْتِيبِ، إِلَّا فِي آيَتَيْن: آيَةِ الْعِدَّةِ فِي الْبَقَرَةِ، وَقوله: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الْأَحْزَاب: 52]. تَقَدَّمَ.
وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَالِثَةً، وَهِيَ آيَةُ الْحَشْرِ فِي الْفَيْءِ عَلَى رَأْيِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْأَنْفَال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الْأَنْفَال: 41].
وَزَادَ قَوْمٌ رَابِعَةً، وَهِيَ قَوْلُهُ: {خُذِ الْعَفْوَ} [الْأَعْرَاف: 199]. يَعْنِي الْفَضْلَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، عَلَى رَأْيِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيّ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الصَّفْحِ عَنِ الْكُفَّارِ، وَالتَّوَلِّي وَالْإِعْرَاضِ وَالْكَفِّ عَنْهُمْ، فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، وَهِيَ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} الْآيَةَ [التَّوْبَة: 5]. نَسَخَتْ مِائَةً وَأَرْبَعًا وَعِشْرِينَ آيَةً، ثُمَّ نَسَخَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا. انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
وَقَالَ أَيْضًا: مِنْ عَجِيبِ الْمَنْسُوخِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ} الْآيَةَ، فَإِنَّ أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا، وَهُوَ: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الْأَعْرَاف: 199] مَنْسُوخٌ وَوَسَطَهَا مُحْكَمٌ؛ وَهُوَ: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الْأَعْرَاف: 199].
وَقَالَ: مِنْ عَجِيبِهِ- أَيْضًا- آيَةٌ أَوَّلُهَا مَنْسُوخٌ وَآخِرُهَا نَاسِخٌ، وَلَا نَظِيرَ لَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}. [الْمَائِدَة: 105] يَعْنِي بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَهَذَا نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}.
وَقَالَ السَّعِيدِيُّ: لَمْ يَمْكُثْ مَنْسُوخٌ مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} الْآيَةَ [الْأَحْقَاف: 9]، مَكَثَتْ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى نَسَخَهَا أَوَّلُ الْفَتْحِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ.
وَذَكَرَ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَلَامَةَ الضَّرِيرُ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} الْآيَةَ [الْإِنْسَان: 8]: إِنَّ الْمَنْسُوخَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ {وَأَسِيرًا} وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَسِيرُ الْمُشْرِكِينَ. فَقُرِئَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَابْنَتُهُ تَسْمَعُ. فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، قَالَتْ لَهُ: أَخْطَأْتَ يَا أَبَتِ، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَتْ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْأَسِيرَ يُطْعَمُ وَلَا يُقْتَلُ جُوعًا. فَقَالَ: صَدَقْتِ.
وَقَالَ شَيْذَلَةُ فِي الْبُرْهَان: يَجُوزُ نَسْخُ النَّاسِخِ فَيَصِيرُ مَنْسُوخًا، كَقوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الْكَافِرُونَ: 6] نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التَّوْبَة: 5]، ثُمَّ نَسَخَ هَذِهِ بِقَوْلِه: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التَّوْبَة: 29] كَذَا قَالَ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْن:
أَحَدُهُمَا: مَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ.
وَالْآخَرُ: أَنَّ قَوْلَهُ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التَّوْبَة: 29] مُخَصِّصٌ لِلْآيَةِ لَا نَاسِخٌ، نَعَمْ يُمَثَّلُ لَهُ بِأَخِرِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ، فَإِنَّهُ نَاسِخٌ لِأَوَّلِهَا، مَنْسُوخٌ بِفَرْضِ الصَّلَوَاتِ.
وَقَوْلُهُ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التَّوْبَة: 41] نَاسِخٌ لِآيَاتِ الْكَفِّ، مَنْسُوخٌ بِآيَاتِ الْعُذْرِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَأَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَا: لَيْسَ فِي الْمَائِدَةِ مَنْسُوخٌ.
وَيُشْكِلُ بِمَا فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ قَوْلَهُ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الْمَائِدَة: 42]. مَنْسُوخٌ بِقَوْلِه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الْمَائِدَة: 49].
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ نَسْخُ الْقِبْلَةِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ آيَةٍ نُسِخَتْ مِنَ الْقُرْآنِ الْقِبْلَةُ، ثُمَّ الصِّيَامُ الْأَوَّلُ.
قَالَ مَكِّيٌّ: وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَقَعْ فِي الْمَكِّيِّ نَاسِخٌ. قَالَ: وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي آيَاتٍ: مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ غَافِرٍ: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غَافِرٍ: 7]. فَإِنَّهُ نَاسِخٌ لِقَوْلِه: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشُّورَى: 5].
قُلْتُ: أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ نَسْخُ قِيَامِ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ بِآخِرِهَا، أَوْ بِإِيجَابِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَذَلِكَ بِمَكَّةَ اتِّفَاقًا.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ ابْنُ الْحَصَّار: إِنَّمَا يُرْجَعُ فِي النَّسْخِ إِلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ضَابِط النُّسَخ عند العلماء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ يَقُولُ: آيَةُ كَذَا نَسَخَتْ كَذَا.
قَالَ: وَقَدْ يُحْكَمُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ التَّعَارُضِ الْمَقْطُوعِ بِهِ مِنْ عِلْمِ التَّارِيخِ، لِيُعْرَفَ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ.
قَالَ: وَلَا يُعْتَمَدُ فِي النَّسْخِ قَوْلُ عَوَامِّ الْمُفَسِّرِينَ، بَلْ وَلَا اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ صَحِيحٍ، وَلَا مُعَارِضَةٍ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ يَتَضَمَّنُ رَفْعَ حُكْمٍ وَإِثْبَاتَ حُكْمٍ تَقَرَّرَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ النَّقْلُ وَالتَّارِيخُ دُونَ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ.
قَالَ: وَالنَّاسُ فِي هَذَا بَيْنَ طَرَفَيْ نَقِيضٍ، فَمِنْ قَائِلٍ: لَا يُقْبَلُ فِي النَّسْخِ أَخْبَارُ الْآحَادِ الْعُدُولِ؛ وَمِنْ مُتَسَاهِلٍ يَكْتَفِي فِيهِ بِقَوْلِ مُفَسِّرٍ أَوْ مُجْتَهِدٍ. وَالصَّوَابُ خِلَافُ قَوْلِهِمَا. انْتَهَى.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِه: وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ فِيهِ سُؤَالًا وَهُوَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي رَفْعِ التِّلَاوَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحُكْمِ؟ وَهَلَّا بَقِيَتِ التِّلَاوَةُ لِيَجْتَمِعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا وَثَوَابِ تِلَاوَتِهَا؟
وَأَجَابَ صَاحِبُ الْفُنُون: بِأَنَّ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ بِهِ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إِلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْصَالٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، فَيُسْرِعُونَ بِأَيْسَرِ شَيْءٍ، كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ إِلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ، وَالْمَنَامُ أَدْنَى طَرِيقِ الْوَحْيِ.
وَأَمْثِلَةُ هَذَا الضَّرْبِ كَثِيرَةٌ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: قَدْ أَخَذْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، وَمَا يُدْرِيهِ مَا كُلُّهُ! قَدْ ذَهَبَ مِنْهُ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: قَدْ أَخَذْتُ مِنْهُ مَا ظَهَرَ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ تُقْرَأُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَتَيْ آيَةٍ، فَلَمَّا كَتَبَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ لَمْ يُقَدَّرْ مِنْهَا إِلَّا عَلَى مَا هُوَ الْآنَ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: كَأَيٍّ تَعُدُّ سُورَةَ الْأَحْزَابِ؟ قُلْتُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ آيَةً أَوْ ثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ آيَةً. قَالَ: إِنْ كَانَتْ لَتَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ وَإِنْ كُنَّا لَنَقْرَأُ فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ. قُلْتُ: وَمَا آيَةُ الرَّجْمِ؟ قَالَ: (إِذَا زَنَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ: «أَنَّ خَالَتَهُ قَالَتْ: لَقَدْ أَقْرَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ الرَّجْمِ (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ بِمَا قَضَيَا مِنَ اللَّذَّةِ)».
وَقَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ أَبِي يُونُسَ، قَالَتْ: قَرَأَ عَلَيَّ أَبِي- وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً- فِي مُصْحَفِ عَائِشَةَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَعَلَى الَّذِينَ يُصَلُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ). قَالَتْ: قَبْلَ أَنْ يُغَيِّرَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَتَيْنَاهُ، فَعَلَّمَنَا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ. قَالَ: فَجِئْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ لَهُ الثَّانِي لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا الثَّالِثُ، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ)».
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ فَقَرَأَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [الْبَيِّنَة: 1] وَمِنْ بَقِيَّتِهَا: (لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ سَأَلَ وَادِيًا مِنْ مَالٍ فَأُعْطِيهِ سَأَلَ ثَانِيًا، وَإِنْ سَأَلَ ثَانِيًا فَأُعْطِيهِ سَأَلَ ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ.. وَإِنَّ ذَاتَ الدِّينِ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ غَيْرُ الْيَهُودِيَّةِ وَلَا النَّصْرَانِيَّةِ وَمَنْ يَعْمَلْ خَيْرًا فَلَنْ يُكْفَرَهُ)».
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةٌ نَحْوَ بَرَاءَةَ، ثُمَّ رُفِعَتْ، وَحُفِظَ مِنْهَا: (أَنَّ اللَّهَ سَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِأَقْوَامٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ، وَلَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ لَتَمَنَّى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ).
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِينَاهَا، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ فَتُكْتَبَ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ كُنَّا نَقْرَأُ: (لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ). ثُمَّ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ، وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا: (أَنْ جَاهِدُوا كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)؟ فَإِنَّا لَا نَجِدُهَا! قَالَ: أُسْقِطَتْ فِيمَا أُسْقِطَ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الْكَلَاعِيّ: أَنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ لَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ: أَخْبِرُونِي بِآيَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يُكْتَبَا فِي الْمُصْحَفِ؟ فَلَمْ يُخْبِرُوهُ- وَعِنْدَهُمْ أَبُو الْكَنُّودِ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ- فَقَالَ مَسْلَمَةُ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَلَا أَبْشِرُوا أَنْتُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ آوَوْهُمْ وَنَصَرُوهُمْ وَجَادَلُوا عَنْهُمُ الْقَوْمَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أُولَئِكَ لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَرَأَ رَجُلَانِ سُورَةً أَقْرَأَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَا يَقْرَآنِ بِهَا، فَقَامَا ذَاتَ لَيْلَةٍ يُصَلِّيَانِ، فَلَمْ يَقْدِرَا مِنْهَا عَلَى حَرْفٍ، فَأَصْبَحَا غَادِيَيْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: (إِنَّهَا مِمَّا نُسِخَ فَالْهُوَا عَنْهَا)».
وَفِي الصَّحِيحَيْن: عَنْ أَنَسٍ- فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ الَّذِينَ قُتِلُوا، وَقَنَتَ يَدْعُو عَلَى قَاتِلِيهِمْ- قَالَ أَنَسٌ وَنَزَلَ فِيهِمْ قُرْآنٌ قَرَأْنَاهُ حَتَّى رُفِعَ: (أَنْ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا).
وَفِي الْمُسْتَدْرَك: عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: مَا تَقْرَءُونَ رُبُعَهَا. يَعْنِي(بَرَاءَةَ).
قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُنَادِي فِي كِتَابِهِ (النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ): وَمِمَّا رُفِعَ رَسْمُهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُرْفَعْ مِنَ الْقُلُوبِ حِفْظُهُ، سُورَتَا الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ، وَتُسَمَّى سُورَتَيِ الْخَلْعِ وَالْحَفْدِ.
تَنْبِيهٌ:
حَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ عَنْ قَوْمٍ: إِنْكَارَ هَذَا الضَّرْبِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِيهِ أَخْبَارُ آحَادٍ، وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ عَلَى إِنْزَالِ قُرْآنٍ وَنَسْخِهِ بِأَخْبَارِ آحَادٍ لَا حُجَّةَ فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: نَسْخُ الرَّسْمِ وَالتِّلَاوَةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يُنْسِيَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ، وَيَرْفَعَهُ مِنْ أَوْهَامِهِمْ، وَيَأْمُرَهُمْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ تِلَاوَتِهِ وَكَتْبِهِ فِي الْمُصْحَفِ، فَيَنْدَرِسُ عَلَى الْأَيَّامِ كَسَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِه: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الْأَعْلَى: 18- 19]. وَلَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ مِنْهَا شَيْءٌ. ثُمَّ لَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ لَا يَكُونُ مَتْلُوًّا فِي الْقُرْآنِ، أَوْ يَمُوتُ وَهُوَ مَتْلُوٌّ مَوْجُودٌ بِالرَّسْمِ، ثُمَّ يُنْسِيهِ اللَّهُ النَّاسَ، وَيَرْفَعُهُ مِنْ أَذْهَانِهِمْ. وَغَيْرُ جَائِزٍ نَسْخُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ فِي قَوْلِ عُمَرَ: (لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا)- يَعْنِي آيَةَ الرَّجْمِ- ظَاهِرُهُ أَنَّ كِتَابَتَهَا جَائِزَةٌ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُ قَوْلُ النَّاسِ، وَالْجَائِزُ فِي نَفْسِهِ قَدْ يَقُومُ مِنْ خَارِجِ مَا يَمْنَعُهُ، فَإِذَا كَانَتْ جَائِزَةً لَزِمَ أَنَّ تَكُونَ ثَابِتَةً؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْمَكْتُوبِ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَوْ كَانَتِ التِّلَاوَةُ بَاقِيَةً لَبَادَرَ عُمَرُ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَقَالَةِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ مَقَالَةَ النَّاسِ لَا تَصْلُحُ مَانِعًا. وَبِالْجُمْلَةِ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ مُشْكِلَةٌ، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِهِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْحُكْمُ، وَمِنْ هُنَا أَنْكَرَ ابْنُ ظَفَرٍ فِي (الْيَنْبُوعِ) عَدَّ هَذَا مِمَّا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ قَالَ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُثْبِتُ الْقُرْآنَ.
قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ الْمُنْسَأِ لَا النَّسْخِ، وَهُمَا مِمَّا يَلْتَبِسَانِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُنْسَأَ لَفْظُهُ قَدْ يُعْلَمُ حُكْمُهُ. انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: (لَعَلَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ) مَرْدُودٌ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ تَلَقَّاهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ يَكْتُبَانِ الْمُصْحَفَ، فَمَرَّا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ زَيْدٌ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ)، فَقَالَ عُمَرُ: لَمَّا نَزَلَتْ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَكْتُبُهَا؟ فَكَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ»، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ إِذَا زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ جُلِدَ، وَأَنَّ الشَّابَّ إِذَا زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ رُجِمَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاج: فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ السَّبَبُ فِي نَسْخِ تِلَاوَتِهَا؛ لِكَوْنِ الْعَمَلِ عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ عُمُومِهَا.
قُلْتُ: وَخَطَرَ لِي فِي ذَلِكَ نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ، وَهُوَ أَنَّ سَبَبَهُ التَّخْفِيفُ عَلَى الْأُمَّةِ بِعَدَمِ اشْتِهَارِ تِلَاوَتِهَا وَكِتَابَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا بَاقِيًا لِأَنَّهُ أَثْقَلُ الْأَحْكَامِ وَأَشَدُّهَا، وَأَغْلَظُ الْحُدُودِ، وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى نَدْبِ السَّتْرِ.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ: «أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَلَا تَكْتُبُهَا فِي الْمُصْحَفِ؟ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّابَّيْنِ الثَّيِّبَيْنِ يُرْجَمَانِ! وَلَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا أَكْفِيكُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُبْ لِي آيَةَ الرَّجْمِ قَالَ: لَا تَسْتَطِيعُ».
قَوْلُهُ: (اكْتُبْ لِي) أَيْ: ائْذَنْ لِي فِي كِتَابَتِهَا، أَوْ مَكِّنِّي مِنْ ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: لَا تَشُكُّو فِي الرَّجْمِ، فَإِنَّهُ حَقٌّ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَهُ فِي الْمُصْحَفِ، فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَتَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَقْرِئُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَفَعْتَ فِي صَدْرِي وَقُلْتَ: تَسْتَقْرِئُهُ آيَةَ الرَّجْمِ، وَهُمْ يَتَسَافَدُونَ تَسَافُدِ الْحُمُرِ؟.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ السَّبَبِ فِي رَفْعِ تِلَاوَتِهَا، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ فِي هَذَا النَّوْع: إِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقَعُ النَّسْخُ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [الْبَقَرَة: 106]. وَهَذَا إِخْبَارٌ لَا يَدْخُلُهُ خُلْفٌ؟.
فَالْجَوَابُ: أَنْ تَقُولَ: كُلُّ مَا ثَبَتَ الْآنَ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُنْسَخْ فَهُوَ بَدَلٌ مِمَّا قَدْ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ، وَكُلُّ مَا نَسَخَهُ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ- مِمَّا لَا نَعْلَمُهُ الْآنَ- فَقَدْ أَبْدَلَهُ بِمَا عَلِمْنَاهُ، وَتَوَاتَرَ إِلَيْنَا لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ.